الكاريكاتير في السياسة

توماس ناسيت راسم شعاري الحزب الديمقراطي والجمهوري الامريكيين
الحمار والفيل
يعود اصل كلمة «كرتون» الى كلمة «كرتوني» الايطالية، ومعناها «ورق كبير»، يرسم عليه او يقطع الى اشكال واشياء. ويعود اصل كلمة «كاريكاتير» الى كلمة لاتينية معناها «تدندر» او «سخرية». وتستعمل دول كلمة «كرتون» للاشارة الى «كاريكاتير». وتستعمل دول اخرى كلمة «كرتون» للاشارة الى رسومات فكاهية، مثل رسومات «ميكي ماوس» و «دونالد دك».
لكن الرسومات يمكن ان تكون فكاهية او جادة او تاريخية. ولهذا يمكن اعتبار بعض الرسومات القديمة في الكهوف والاهرامات نوعا من انواع الكاريكاتير، اذا مالت نحو التندر او السخرية.

أصل إيطالي: ويعتقد ان الكاريكاتير بدأ في ايطاليا، عندما «تندر» فنانون مثل ليوناردو دا فنشي، ومايكل انجلو، وتحولوا، احيانا، من الرسومات الجميلة الى رسومات قبيحة او فيها تناقض. كان هدفهم: اولا، اثبات جاذبية الجمال. وثانيا، السخرية مما حولهم. ورسم، في وقت لاحق، رسامون ايطاليون رسومات فيها تناقض كنوع من انواع التعبير عن الرأي. كانت هذه، في البداية، رسومات دينية. رسموا عيسى المسيح، ومعه رسم مجاور لتجار المال في المعبد اليهودي. ورسموا الجنة ومعها رسم مجاور للنار. ورسموا المسيح ومعه رسم مجاور للمسيح الدجال.

ثم تحول الرسم التناقضي نحو نقد رجال الدين. ونال البابا نصيبه، مثل: عندما رسموه يتكلم بصوت عال، ورسموا، الى جواره، مزارعين يزرعون (نقد البابا لتركيزه على الوعظ والفتوى واهمال قضايا الناس الحقيقية).

حرية المانيا: ثم انتقل الكاريكاتير الى المانيا، بعد حركة الاصلاح الديني التي قادها القس مارتن لوثر، وبعد اختراع غوتنبيرغ للطباعة، وبعد ظهور طبقات مهنية متعلمة (يحتاج تفسير الكاريكاتير الى ذكاء نسبي، وقيل ان الالمان كانوا، في ذلك الوقت، من اذكى شعوب العالم).

ونقل، خلال القرن التاسع عشر، المهاجرون الالمان الى اميركا فن الكاريكاتير. ومن اشهر هؤلاء جوزيف كيبلر الذي هاجر، في سنة 1838، من فينا الى سانت لويس (في ولاية ميسوري). وقابل، في وقت لاحق، مهاجر الماني آخر، عمل في الصحافة، ثم اصبح من اشهر صحافيي اميركا، وهو جوزيف بولتزر (صاحب جائزة بولتزر للصحافة). ويعتقد ان لقاء بولتزر وكيبلر كان بداية دخول الكاريكاتير في الصحافة الاميركية.

بدأ الكاريكاتير في الصحافة الاميركية التي كانت تصدر باللغة الالمانية، مثل جريدة «دي فيهم». وانتقل، في سنة 1871، الى جريدة «باك» الانجليزية.

ثم ظهر، مع نهاية القرن التاسع عشر، الماني آخر هو كارل شورتز. وظهر، مع بداية القرن العشرين الماني غيره هو شارلز شولتز، رسام «شارلى براون» و«بيناتز» (شخصيات في حجم الفول السوداني).

بنجامين فرانكلين: لكن بنجامين فرانكلين، المخترع الاميركي، لم يكن المانيا، ويعتقد انه اول من رسم كاريكاتيرا في اميركا، وذلك في سنة 1754، خلال حرب المهاجرين الاميركيين ضد الهنود الحمر. رسم ثعبانا قطع الى ثماني قطع، رمزت كل قطعة الى واحدة من الولايات الاميركية في ذلك الوقت، وكتب تحت الرسم: «توحدوا او موتوا». قصد ان يقول للولايات (قبل استقلال اميركا) ان تتحد ضد الهنود الحمر حتى تتوسع غربا.

لكن رسم الثعبان المقطع اصبح يستعمل في مناسبات اخرى:

اولا، استعملته الولايات نداء للوحدة لمقاومة الاستعمار البريطاني.

ثانيا، استعملته قوات المارينز شعارا لها.

ثالثا، استعمل للتحذير من نشوة النصر، اشارة الى خرافة قديمة بأن ثعبانا مقطعا يقدر على الصاق اجزائه واعادة الحياة الى نفسه. ثم ظهر توماس ناسيت، الذي يعتبر أب الكاريكاتير الاميركي، واول من تفرغ لرسمه. واشاد الرئيس ابراهام لنكولن برسوماته خلال الحرب الاهلية (استهزاء بالانفصاليين الكونفدراليين تجار الرقيق، وتأييدا للولايات الشمالية الفدرالية). «بانش»: وصدرت، في سنة 1843 في بريطانيا، مجلة «بانش»، اول مجلة كاريكاتير، واشتهر فيها جون ليش، ابو رسامي الكاريكاتير، الذي تخصص في السياسيين البريطانيين عندما كانت وستمنستر تسمى «قصرا». نقل، في بداية القرن العشرين، ملوك الصحافة الاميركيين فن الكاريكاتير الي اميركا، واصبحت مجلة «نيويوركر» رائدة في هذا المجال، ولا تزال. واصبح بيتر ارنو، رسامها ابو الكاريكاتير الحديث. يعتبرالكاريكاتير السياسي فرعا من فروع الكاريكاتير، ويخدم هدفين: التندر، والتهكم، وهو خليط من الهزل والجدية. يصور الكاريكاتير غير السياسي، ويسمى ايضا «كارتون»، قصة قصيرة في رسوم مسلسلة. ويعتبر «سوبرمان» (ثم باتمان، الرجل الوطواط، ثم سبايدرمان، الرجل العنكبوت) نوعا من هذه الرسوم.

وظهرت، بعد اختراع السينما، الرسوم المتحركة لتسلية الاطفال، وتسمى ايضا «كارتون» او «تون». وكانت في البداية قصة فكاهية قصيرة، ثم اصبحت افلاما كاملة مثل «سندريلا» و «سنوهوايت» (بياض الثلج) و«ميرميد» (عروس البحر). ثم استعملت، بدل الرسوم المتحركة، اشكال من الطين، مثل فيلم «غامبي». والآن بدأ عصر الرسوم الرقمية.

الحمار والفيل: ولا يذكر الكاريكاتير السياسي الاميركي إلا ويذكر رسمي الحمار (شعار الحزب الديمقراطي) والفيل (شعار الحزب الجمهوري)، والعم سام (الحكومة الاميركية)، والدب (روسيا) والتنين (الصين). وقبل ذلك رسمت مجلة «بانش» البريطانية الاسد وجون بول (بريطانيا)، والنسر (المانيا). وانقسم، أخيرا، الكاريكاتير السياسي الى قسمين: «ناستي» الذي يحتوى على منظر واحد فيه رسوم كثيرة وكلام قليل، و«التي» الذي يحتوي على مناظر متتابعة، وكلام كثير.

واشتهر في اميركا في الماضي هيرب هلبروك، رسام الكاريكاتير في جريدة «واشنطن بوست»، وجيف ماكنلي في جريدة «شيكاغو تربيون». واشتهر حاليا كلي بينت في جريدة «كرستيان سيانس مونيتور»، ومايكل راميرز في جريدة «لوس انجلوس تايمز»، وتوم تولز الذي خلف هلبروك في جريدة «واشنطن بوست».

وتقدم جوائز «بولتزر» الصحافية جائزة كل سنة لاحسن كاريكاتير، لأن الكاريكاتير اصبح من اساس العمل الصحافي (وذكرى للقاء مهاجرين من المانيا في القرن التاسع عشر: كيبلر وبولتزر).